التصنيفات

الأشقر سنقر الأشقر الأمير الكبير الملك الكامل شمس الدين الصالحي. كان من أعيان البحرية، حبسه الملك الناصر بحلب أو غيرها، قال لي القاضي شهاب الدين ابن فضل الله: كان حبسه بجعبر، وقال أخبرني بذلك لؤلؤ العزي البريدي، وكان مملوك نائب جعبر في ذلك الوقت، فلما استولى هولاكو على البلاد وجده محبوسا فأخرجه، وأنعم عليه وأخذه معه، فبقي عند التتار مكرما، وتأهل، وجاءته الأولاد، وجاء ابنه إبراهيم رسولا عن الملك بوسعيد إلى السلطان الملك الناصر محمد في سنة تسع وعشرين فيما أظن. ورأيته بالقاهرة، ثم إن الملك الظاهر خوشداشه حرص على خلاصه، فوقع ابن صاحب سيس في أسره، فاشترط على والده أن يسعى في خلاص سنقر الأشقر، فيسر الله أمره وخلص، وكان مصافيا للملك الظاهر وهما من جملة الأجناد وكان نطير الظاهر أيام المعز، ولما ملك الظاهر ذكر صحبته وقال الظاهر: يا أمراء، لو وقعت في الأسر ما كنتم تفعلون؟ فقبلوا الأرض، فقال: هذا سنقر الأشقر مثلي وقد خلص من الأسر. وخرج الظاهر وتلقاه سرا، وما شعر الأمراء به إلا وقد خرجا من المخيم معا، ثم أعطاه من الأموال والعدد والخيل والغلمان ما أصبح به من أكبر أمراء الدولة، وبادر الأمراء إليه بالتقادم، وبقي الظاهر يجهز إليه كل يوم خلعة بكلوته زركش وكلابند ذهب وحياصة ذهب، وفرس وألف دينار، وأقطع مائة فارس، وعمل نيابة دمشق سنة ثمان وسبعين، وتسلطن بها في آخر السنة، وذلك أنه جاء إلى دمشق نائبا عن العادل سلامش ابن الظاهر في ثالث جمادى الآخرة، وكان الأمير علم الدين سنجر الدواداري قد عاد مشد الدواوين كما كان أولا فإنه كان نائب الغيبة بدمشق، ولما كان في الحادي والعشرين من شهر رجب خلعوا العادل سلامش وسلطنوا الملك المنصور سيف الدين قلاوون، ولم يختلف عليه اثنان، ووصل إلى دمشق أمير يحلف له الأمراء فحلفوا ولم يحلف سنقر الأشقر وكاسر ولم يرضه خلع ابن الظاهر، ودقت البشائر بدمشق في سابع عشرين شهر رجب، وفي رابع عشرين الحجة ركب سنقر الأشقر من دار السعادة وبين يديه جماعة من الأمراء والجند، ودخل البلد وأتى باب القلعة فهجمها راكبا، ودخل وجلس على تخت الملك، وحلفوا له وتلقب بالكامل، ودقت البشائر ونودي في البلد سلطنته، وكان محببا إلى الناس وحلف له القضاة والأكابر، وقبض على الوزير تقي الدين ابن البيع واستوزر مجد الدين ابن كيسرات. ولم يحلف له الأمير ركن الدين الجالق، فقبض عليه وحبسه، وقبض على نائب القلعة حسام الدين لاجين المنصوري، وفي مستهل سنة تسع وسبعين وست مائة ركب من القلعة بأبهة الملك وشعار السلطنة ودخل الميدان وبين يديه الأمراء بالخلع وسير ساعة وعاد إلى القلعة. وجهز عسكرا فنزلوا عند غزة، وكان عسكر المصريين بغزة فأظهروا الهرب، ثم إنهم كروا على الشأميين ونهبوهم وهزموهم إلى الرملة، ثم في خامس المحرم وصل عيسى بن مهنا ودخل في طاعة الكامل، فبالغ في إكرامه وأجلسه إلى جانبه على السماط، ثم قدم عليه أحمد بن حجي أمير آل مرى، فأكرمه، وولى قاضي القضاة شمس الدين ابن خلكان تدريس الأمينية وعزل نجم الدين ابن سنى الدولة. وفي آخر المحرم جهز المنصور عسكرا من مصر لحرب الكامل مقدمه الأمير علم الدين سنجر الحلبي. وفي صفر خرج الكامل ونزل على الجسورة واستخدم الجند ونفق وجمع خلقا من البلاد وحضر معه ابن مهنا وابن حجي بعربهما، وجاءه نجدة عسكر حماة وحلب، والتقوا بكرة النهار على الجسور والتحم الحرب واستمر القتال إلى الرابعة وقاتل سنقر الأشقر بنفسه وحمل عليهم وبين، فخامر عليه صاحب حماة وأكثر عساكره، وانهزم بعضهم وتحيز البعض إلى المصريين، فولى الكامل وسلك الدرب الكبير إلى القطيفة ولم يتبعه أحد، وفي ذلك يقول علاء الدين الوداعي، ومن خطه نقلت:

وقال أيضا:
قلت: يريد قوله قل لي متى أفلح صاحب حماة في أبياته المشهورة.
وتوجه ابن مهنا معه ولازمه ونزل به وبمن معه في برية الرحبة. فتوجهت إليه العساكر وضايقته، وتوجه نجدة لهم الأمير عز الدين الأفرم، ففارق الكامل ابن مهنا وتوجه إلى الحصون التي بيد نوابه، وهي صهيون وبلاطنس وبرزية وعكار وجبلة واللاذقية وشيزر والشغر وبكاس. وكان قد انهزم يوم الوقعة الحاج ازدمر الأمير إلى جبل الجرد، وأقام عندهم واحتمى بهم، ثم إنه مضى إلى خدمة الكامل في طائفة من الحلبيين، فأنزله بشيزر يحفظها، وطلع الكامل إلى صهيون، وكان قد سير أهله إليها وخزائنه، وتحرك في البلاد التتار وانجفل الناس أمامهم، ونازل عسكر مصر شيزر وضايقوها بلا محاصرة، وترددت الرسل بينهم وبين الكامل، ولما دهم التتار البلاد خرج العسكر من دمشق وعليهم الركن أباجو وقدم من مصر بكتاش النجمي في ألف، فسير هؤلاء إلى الكامل يقولون إن العدو قد دهمنا، وما سببه إلا هذا الخلف الذي بيننا، وما ينبغي هلاك الرعية في الوسط، والمصلحة اجتماعنا على رد العدو، فنزل عسكر الكامل من صهيون والحاج ازدمر من شيزر ونزل المنصور إلى الشأم، وهادن أهل عكا وقبض على جماعة أمراء منهم كوندك بحمراء بيسان وهرب الهاروني والسعدي ونحو ثلاث مائة فارس وخرجوا على حمية إلى الكامل ولحقوا به. وجهزت المناجيق لحصار شيزر، فتسلموها، ثم إن الرسل ترددت بين المنصور والكامل فوقع الصلح بينهما، ونودي في دمشق باجتماع الكلمة ودقت البشائر، وعوضه المنصور عن شيزر بكفرطاب وفامية وأنطاكية والسويدية ودركوش بضياعها على أن يقيم ست مائة فارس على جميع ما تحت يده من البلاد، وكوتب بالمقر العالي المولوي السيدي ولم يصرح له بالملك ولا بالأمير. ثم في جمادى الآخرة من السنة جاءت أخبار التتار فكانت واقعة حمص، وحضر الكامل ومن عنده من الأمراء للغزاة، وبالغ المنصور في احترام الكامل، وأبلى الكامل والأمراء في ذلك اليوم بلاء حسنا، وانتصر المسلمون في آخر الأمر، وعاد المنصور إلى دمشق وفي خدمته الأمراء الذين كانوا قد قفزوا إلى الكامل، وودع الكامل المنصور من حمص وتوجه إلى صهيون، ولما كان في المحرم سنة ست وثمانين وست مائة حضر طرنطائي من مصر في تجمل زائد وتوجه بالعساكر إلى حصار الكامل، وأخذ صهيون منه، وتوجه حسام الدين لاجين إلى برزية وفتحها عاجلا، وكان بها خيل للكامل، فلما أخذت ضعف الكامل وأذعن لتسليم صهيون بعد حصار شهر بشروط اشترطها والتزم بها طرنطائي وذب عنه ذبا عظيما ووفى له بما اشترطه وأعين على نقل ثقله بجمال، وظهر وحضر بعياله ورخته صحبة طرنطائي، فأعطاه المنصور إمرة مائة، وبقي وافر الحرمة إلى آخر الدولة المنصورية. ولما كان في آخر سنة إحدى وتسعين وست مائة أمسكه الملك الأشرف صلاح الدين وخنق معتقلا رحمه الله تعالى. وكان رنكه جاخ أسود بين أبيضين، ثم فوقه وتحته أحمران. وفيه يقول كمال الدين ابن العطار وقد تسلطن بدمشق:
ولما جرت المجانيق إلى حصاره بصهيون قال الوداعي، ومن خطه نقلت:

  • دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 15- ص: 0