علاء الدين ابن الشاطر علي بن إبراهيم بن محمد بن الهمام أبي محمد بن إبراهيم بن حسان بن عبد الرحمن بن ثابت الأنصاري الأوسي، هو الإمام فريد الزمان المحقق التقن البارع الرياضي، أعجوبة الدهر، الشيخ علاء الدين أبو الحسن علي المعروف بابن الشاطر، رئيس المؤذنين بالجامع الأموي بدمشق.
قرأ على علي بن إبراهيم بن يوسف، وكان يعرف بابن الشاطر، فسمى هو بذلك، سألته عن مولده؟ فقال: في خامس عشر شعبان، سنة خمس وسبعمائة بدمشق، رأيته غير مرة ودخلت إلى منزله في شهر رمضان، سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة لرؤية الإسطرلاب الذي أبدع وضعه، فوجدته قد وضعه في قائم حائط في منزله داخل باب الفراديس في درب الطيار، ورأيت هذا الإسطرلاب فأنشأ لي طربا، وجدد لي في المعارف أربا، وعلمت به أن من تقدمه من الأفاضل عند جبل علمه الراسخ هباء، فلو رآه النصير الطوسي لما كانت متوسطاته إلا مبادي، أو المؤيد الفرضي لخذل عند الحواضر والبوادي، أو القطب الشيرازي لما خرج عن دائرته إلى يوم التنادي، بل لو رآه إقليدس كما كان إلا نقطة من خطه، أرشميدس لتراءى شكله قطاعا في تحريره وضبطه، فسبحان من يفيض على بعض النفوس ما يشاء من المواهب، ويجدد في كل عصر من يحيي رسوم الفضل الذي عدم في الليالي الذواهب، لا إله غيره.
وصورة هذا الإسطرلاب المذكور قطرة مقدار نصف أو ثلث بذراع العمل تقريبا يدور أبدا على الدوام في اليوم والليلة من غير رمل رحى ولا ماء على تحركات الفلك، لكنه نسق بتثاقيل قد رتبها على أوضاع مخصوصة تعلم منه الساعات المستوية، والساعات الزمانية بحركة واحدة، وهنا من أغرب ما يكون، ويعلم منه الطالع، والغارب، والمتوسط، والوتر، ويعلم منه ارتفاع الشمس، وسمتها وسعة مشرقها، ووقت طلوع الكواكب وتوسطها وغروبها، وما يتعلق بذلك من سعة الطلوع والغروب والبعد والمطالع، وبالجملة فكل ما في رسائل الإسطرلاب من الأبواب والأعمال فإنه يظهر في هذا الإسطرلاب للعيان من غير عمل يوضع يد أو غيرها، وفوق الإسطرلاب، دائرة تدور دورة كاملة في ربع درجة، والزوايا مقسومة بخمسين قسما متساوية، ومقسومة أيضا بخمسة عشر قسما متساوية، وفي مركز هذه الدائرة شخص يمتد إلى محيطها، وكلها وصل رأس الشخص إلى أول قسم من الخمسة عشر، كان جزءا واحدا من ستين جزء من الدرجة الواحدة، وهو دقيقة، وهو واضح مقداره في العين مساحة أصبعين، وإذا وصل الشخص المذكور إلى أول قسم من الأقسام الخمسينية، كان جزءا من مائتي جزء من الدرجة الواحدة، فعلى هذا تكون الساعة منقسمة بستين قسما بكمال الدورة، وبتسعمائة قسم من الأقسام الثانية، وبثلاثة آلاف قسم من الأقسام الثالثة، فيكون اليوم بلياليه منقسما مائتين وسبعين ألف قسم متساوية، وكل منها مدرك بالبصر مساحة عرضه دون الأصبع، وفي كل قسم من هذه الأقسام الاثنين والسبعين ألفا يسمع عند مضي كل قسم دقة من آلة تذهبا وتجيء على أعلى الإسطرلاب، وفي أعلاه ثلاثة أبواب إذا مضت ساعة مستوية، فتح منها بابان مجنبان، وسقط منها بندقتان في كأسين تحتهما إعلاما بمضي الساعة، والباب الثالث الأوسط يسقط منه بندقة في الكأس الأيمن عند أول كل وقت من أوقات الصلوات الخمس، فيعلم بذلك دخول أول الوقت الشرعي.
ومجموع هذا الإسطرلاب وما يحركه من الآلات في مساحة ذراع تقريبا طولا وعرضا وعمقا.
وأما حسن هذا الإسطرلاب، ووضعه، وتحرير آلاته، وإتقانها، وظرفها، ففي غاية الحسن.
والذي أقوله في هذا: أن الإنسان العارف لو سمع بها في إقليم بعيد من مكانه، وكانت الطريق مشقة، وكابد أهوالها في السعي إلى رؤيته، وظفر برؤيته، لما أضاع زمانا ولا تعبا، فإن هذا أمر لم أسمع به أنه اتفق لغيره في الوجود، ولما رأيت الإسطرلاب خطر لي معنى فنظمته، وهو:
أفلاك شوقي مذ تغيب شخصكم | دارت على قطب الجوى في خاطري |
لا يعتريها فترة في دورها | فكأنها إسطرلاب ابن الشاطر |
دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 20- ص: 0